جميعا من أجل العلمانية
لعلمانية: الطريق نحو الحرية والمساواة في الوطن العربي وشمال إفريقيا
في سياقنا العربي وشمال إفريقيا، يظل النقاش حول العلمانية حساسًا ومعقدًا، لكنه ضرورة لا يمكن تجاهلها إذا أردنا بناء مجتمعات تعزز قيم الحرية والمساواة. التجربة التاريخية والسياسية تُظهر أن تداخل الدين مع السلطة السياسية يؤدي في كثير من الأحيان إلى انتهاكات لحقوق الأفراد، خاصةً الأقليات الدينية والفكرية. هذه الانتهاكات ليست مجرد أحداث عرضية، بل هي انعكاس لبنية قانونية وسياسية تستمد شرعيتها من تأويلات دينية تُقصي الآخر المختلف.
كمغربي مسيحي، عانيتُ شخصيًا من تبعات هذا الواقع. فالدولة التي تُعلن نفسها إسلامية لا تكتفي بحصر هويتها في إطار عقيدة معينة، بل تفرض هذه الهوية على الجميع، مما يجعل الأقليات، مثل المسيحيين واليهود وحتى غير المتدينين، في موقع هشاشة دائم. بالنسبة لنا كمسيحيين مغاربة، يتحول ممارسة الإيمان أو حتى مجرد التعبير عنه علنًا إلى تحدٍ محفوف بالمخاطر. الأسوأ هو أن هذا القمع لا يأتي فقط من القوانين، بل أيضًا من الثقافة المجتمعية التي تغذيها خطابات دينية تُعزز الكراهية وعدم التسامح.
لماذا العلمانية هي الحل؟
العلمانية ليست معاداة للدين كما يحاول البعض تصويرها، بل هي إطار يضمن فصل الدين عن السياسة، مما يتيح لجميع الأفراد حرية الاعتقاد وممارسة شعائرهم دون تدخل الدولة أو فرض أي وصاية دينية. العلمانية لا تلغي الدين من المجال العام، لكنها تجعل منه شأنًا شخصيًا لا تُبنى عليه سياسات أو قوانين.
في ظل نظام علماني:
- الحرية الدينية مضمونة: يُمكن للجميع ممارسة معتقداتهم بحرية، سواء كانوا مسلمين، مسيحيين، يهودًا، أو حتى غير مؤمنين.
- القوانين مدنية: تُبنى على أسس حقوق الإنسان والمساواة، وليس على تفسيرات دينية متغيرة.
- تعزيز التعايش: في غياب التحيز الديني في السلطة، تصبح العلاقات بين مكونات المجتمع قائمة على الاحترام المتبادل.
الإسلام السياسي واستغلال الدين
الإسلام كدين له مكانته الروحية والاجتماعية، لكن عندما يُستغل كأداة سياسية، يتحول إلى وسيلة قمع بدل أن يكون مصدر سلام. الأحزاب السياسية ذات المرجعيات الإسلامية تستغل الدين لإضفاء شرعية على سياساتها القمعية، مما يؤدي إلى تهميش الأقليات واستهدافها.
في المغرب، ورغم التعايش الظاهر، نجد أن المسيحيين المغاربة يعانون في صمت. القوانين التي تُجرّم “التبشير” أو تغيير الدين هي مثال على استغلال الإسلام كأداة لتقييد الحريات. هذا الوضع لا يتماشى مع القيم العالمية لحقوق الإنسان، التي تشمل حرية المعتقد والتعبير.
نحو مستقبل علماني في المغرب والعالم العربي
التغيير يتطلب شجاعة وجرأة لمواجهة الفكر التقليدي الذي يرفض أي مساس بالوضع الراهن. كمسيحي مغربي، أؤمن أن النضال من أجل العلمانية ليس فقط من أجل الأقليات، بل هو لصالح الجميع، بمن فيهم المسلمون أنفسهم. العلمانية تتيح لهم أيضًا حرية تفسير دينهم بعيدًا عن الإملاءات السياسية والدينية.
في الختام، العلمانية ليست تهديدًا للهوية، بل هي ضمانة للتنوع. علينا أن نعمل يدًا بيد، كمواطنين متساوين، لبناء دول تحترم الجميع دون تمييز. إذا أردنا مستقبلًا تسوده العدالة والكرامة، فإن العلمانية ليست خيارًا، بل هي الحل.